الكا و البا

 الفرعون : 

أقرئك السلام يا جسدي الحميم 

يا منبع عزي و مجدي القديم 

أتيتك من عالم برزخ الأرواح 

كي أزورك يا جسدي و أرتاح 

أعرني نظرك المشمع المر السقيم 

و أنت ملتف بخيوط من الكتان 

فُتح التابوت الذي فيه تقيم 

انظر إلي ، حدثني يا جسدي ، أنسيت الكلام ؟

أتذكر لحظات كنتُ من الأنام ؟

كنتَ  وعائي الذي أرى منه الحياة 

قبل أن يلفوك و تتشرب النطرون 

كنت وعائي حيث أصحو و أنام 

حيث أجري و ألعب و أذوق الحياة 

أنسيت يا جسدي هذا الكلام ؟

تفتح المومياء عينيها و تقول :

اذهب من أمامي أيها الفرعون 

و لا تتمثل لي بالشوق و الاحترام 

فما كنتُ إلا السجن و أنت المسجون 

ذرني أغفو بسكينة و سلام 

و لا تثر داخلي الأحزان و الشجون 

و لن تؤلف بيننا زياراتك لي 

فعقدنا القديم أفنته السنون 

الفرعون :

ما بك تحدثني بجمود و جفاء ؟

هل حنطوا قلبك بالشمع و الأملاح ؟

أم أنساك رفقتي مظهر المومياء ؟

إني صديقك الحر الكريم 

و قد خلتك تعرف أصول الوفاء !

كنا الشيء الواحد و النبض الواحد 

تماماً  كمحلول الملح و الماء 

تذكر يا جسدي 

أنسيت الحياة ؟!

المومياء :

ما عرفت الحياة  و لا الممات 

و إنما كنت شريكك ساعة ما 

و بعد فراقنا ، غططتُ في سبات 

اذهب من أمامي أيها الفرعون !

و دعني أنم فمن راحتي أقتات 

و اذهب إلى برزخك أو عالمك المنشود 

أياً كان ..

و ذرني لوحدي كما المومياوات !

الفرعون :

أرجوك يا جسدي لا تنقض الوعود 

و دعنا لعهد الصداقة و الإخاء نعود 

أرني العالم كي أتذوق الإحساس 

كي أصل لقمم الكمال المنشود 

اشتقت لطعم اللحم و التفاح 

و لمتعة الحياة و طعم الوجود 

معك عشت في الطبيعة و الفضاء 

أرجوك لنندمج في روعة الخلود 

حيث تعيش إلى أبد الكا و البا 

لنندمج معاً يا جسدي الجحود !

المومياء :

لا جسدي معك و لا اندماج 

و لا كمالاً و لا طعماً و لا ازدواج 

دع عنك الهراء و الأوهام 

فلسنا في وضع اليأس و الاحتجاج 

أنت الفرعون و أنا المومياء 

و ذاك الظلام و هذا السراج 

الفرعون :

منذ اللحظة إني روح بلا جسد 

إني طاقة في عالم متحرر 

ليس لي جسد و إن وجد 

و إن حنط و حوفظ عليه في الأهرام 

و إن مسح بالتوابل و المادة الخام 

و إن لف بأشرطة قوية من الكتان 

لا حاجة لي به فقد أنكرني 

منذ اللحظة إني روح بلا جسد 



تاريخ الكتابة :  منتصف عام 2023

تعليقات

المشاركات الشائعة