فصل محذوف من رواية الغول
سمير ، ليس مجرد ساذج و أكول ، بل إنه يحمل أعماقاً خفية لا يدركها من يتعامل معه لمرة أو مرتين . كان يسير في الظلام بمخالب بارزة و أسنان حادة ، و لعاب يتدفق من فمه بمهل ، يبدو في هيئته هذه أقرب إلى الوحش منه إلى البشر . و كان يحب أن يبدو هكذا فقط عندما لا يراه أحد . لم يتمكن هو و نوح من النوم بعد أن أيقظتهما لميس بصراخها ، فشق طريقه في الظلام بحثاً عن صيد يسكت جوعه الذي لا يسكت أبداً . و في لحظة ما ، بينما كان ينصت بتركيز ليرصد حركة الفريسة ، سمع صوتاً هادئاً و هامساً يناديه :” سمير “ التفت ببطء و جمود ، فرأى نوح معلقاً على جذع الشجرة ، تحتضن سيقانه الجذع ، و يتدلى جسده ، خاطبه بمزاح :” أتحاول تقليد الخفافيش ليكتمل شعورك بأنك دراكولا “ لم يعبأ نوح بالرد عليه ، إنما قال بجدية :” أنا لست مطمئناً “ بادله سمير نظرة جادة ، فأردف نوح قائلاً :” تلك الفتاة ، وضعها ليس طبيعياً ، و ستسبب لنا الكثير من المتاعب ، كما أنها تعطلنا عن هدفنا الأساسي “ قطب سمير وجهه و قال بفتور :” و ماذا يسعنا أن نفعل بشأن هذا الأمر ؟ أوريان متعلق بها “ سكت نوح لدقائق ، يفكر خلالها بعمق ، ثم عبر عن استيائه قائلاً بتنهيدة خفيفة :” المشكلة في أوريان ، إنه مغفل كبير ، و أخشى أن تعلقه بهذه البنت سيسبب أزمات لا طائل منها ، لقد أصيب مرتين بالفعل و كاد يموت في قتاله مع تلك المخلوقات . نحن لا نريد أن نفقد هذا الأبله ، كما أننا لا نملك الوقت الكافي للجري وراء متاعب إضافية ، يجب أن نصل إلى بلاد الشمال في أقصر فترة ممكنة “ اقترب سمير من نوح أكثر ، و قد لمعت عيناه كأنه مفترس يترقب فريسة في الظلام ، ثم همس ببطء و بنبرة مخيفة :” نوح ، هل نتخلص منها ؟ دون أن يعلم أوريان “ ذهل نوح و تجمد الدم في عروقه ، ثم حدق في عيني سمير بدهشة كبيرة ، تأمل أنيابه و مخالبه و لعابه الذي يسيل ، و في لحظة غير متوقعة ، قفز نوح كالوحش فوق سمير ، إنه يعرض عليه خيانة صديقه و مبادئه ، و نوح يدرك أن هذا ليس سمير ، بل الوحش هو الذي يتكلم ، الغريزة العنيفة التي تحكمه ، و سمير أضعفهم و أقلهم خبرة في التعامل مع غرائزه . طرحه نوح أرضاً و قد أخذ بتلابيبه و همس بعنف :” إياك ، اسمعني ، إياك أن تستسلم لغرائزك ، يجب أن تكبحها مهما كلفك ذلك من ثمن ، إذا أردت أن تكون إنساناً ، يجب أن تكبح غرائزك ، هل تفهمني ؟!” أخذ سمير نفساً عميقاً و قد بدأ يعي خطورة ما كان يفكر فيه ، فعاد إليه إدراكه ببشريته ، اختفت مخالبه و أنيابه و استرجع هيأته الطبيعية . ثم رفع عينين نادمتين إلى نوح ، كأنه يعتذر عما بدر منه ، فأفلته الآخر و ابتعد عنه ، ثم قال بهدوء و ثبات :” أنت لست وحشاً يا سمير ، و لكنك ضعيف جداً ، و إذا قررت أن تستسلم لضعفك فستتحول إلى وحش حقيقي “ نهض سمير بمهل و همس نادماً :” آسف ، لم أقصد ، أنا ..” قاطعه نوح بنبرة جدية :” لا تعتذر ، و لكن عدني بشيء واحد ، سنقف إلى جوار أوريان في كل الظروف ، و لن ندعه يموت و نحن مكتوفا الأيدي ، حتى إن كلفنا ذلك أن نخسر كل شيء “ أومأ سمير برأسه و همس بثبات :” فهمت ، أنا لن أتخلى عن أوريان أبداً “ لم تعد لميس مجرد فتاة يريدون إيصالها في دربهم ، بل صار واضحاً أنها تعني أوريان بشكل خاص ، و لهذا فقد قرر الشابان أن من واجبهما الدفاع عنها و التصدي لكل خطر يحدق بها ، في سبيل وفائهما لمبادئهما و لصديقهما العزيز .
تعليقات
إرسال تعليق