زومبي

    أنا جثة هامدة ، إنني رجل ميت ، أشعر بذلك من صميم قلبي المتوقف ، الممزق و المتآكل ، فأنا لا أشعر بشيء ، و عدم الشعور هذا هو شعور بحد ذاته ، إنه إحساس من نوع ما ، إنه الإحساس باللا شيء ، و لا أقول ذلك على سبيل المجاز ، إنني بالفعل ميت ، لست أنتمي إلى الأحياء ، أنا أقيم في مقبرة مغمورة ، و أنام تحت التراب كل يوم قبل سطوع الشمس ، و أتحاشى الشمس تماماً ، فضوؤها البغيض يقلق راحتي ، و أقسم لك بأنني أنهض من تربتي كل مساء حين يصل نور القمر إلى قبري ، و لا أعلم كيف يتاح لي ذلك ، و لكنه يتاح لي كما يتاح لبعض الأموات ، و لا ينبغي أن يدرك أحد أن ذلك متاح لنا ، و لا نريد أن يدرك أحد ذلك ، و لهذا يكون علينا دائماً التظاهر بأننا أحياء ، و التظاهر بأنني حي يشبه تأدية دور إنسان ساذج و متلهف و راغب في كل ما حوله ، و ليس أبغض إلى قلبي من تأدية هذا الدور ، و لكننا إذ نمل من قبورنا لا نجد بداً من التظاهر بأننا أحياء كي نتمكن من مغادرتها ، فكيف سيروق لأي مخلوق ، سواء أكان حياً أم ميتاً ، حتى و إن كان عديم المشاعر ،  أن يقيم في حجرة ضيقة و مضجرة إلى ما شاء الله ؟ و حين يصل نور القمر إلى قبري يوقظني ، فأنفض عني التراب ، و أغطي عورتي بأقمشة مهترئة يأتي إلي بها الجن ، و أسير في الظلام محاولاً تقليد الأحياء ، و لكن عجباً ؟ مهما بلغت بهم السذاجة ، كيف يمكن أن يصدقوا بأنني إنسان مثلهم ، إذا كان وجهي هيكلاً عظمياً واقفاً ، تشقه ابتسامة جامدة لا تتبدل ؟ إنني لست غبياً إلى حد ألا أفكر في هذا الأمر ، و لكن ضوء القمر الساطع يجعلني أبدو كإنسان تماماً ، و ما إن تشرق الشمس حتى تظهر حقيقتي للعيان ، لذلك لا أحب الخروج إلا ليلاً ، أو بالأصح ، لا أستطيع . 

    حين أتظاهر بالحياة يكون علي تقليد الأحياء في كل شيء ، و الأمر إن لم يكن مسلياً فهو ليس بتلك الصعوبة ، أسير بعد إرتداء أقمشتي مترنحاً في شارع المقبرة الطويل المظلم ، و أتمكن من ملاحظة بعض الأموات الذين ينهضون من تربتهم و ينفضون التراب عن أجسادهم ، و نسير جميعاً دون أن يحدث أحدنا الآخر ، أو يلتفت أحدنا إلى الآخر ، حين أتعثر بحجر و أسقط أتظاهر بالألم ، فأصيح و أسب و ألعن ، و ليس في خاطري شيء مما أعبر عنه ، و يأخذني الدرب إلى مطعم في آخر الطريق ، مطعم متهالك و قديم ، أدخل إليه متظاهراً بالجوع ، و ألقي برأسي على أقرب طاولة متظاهراً بالتعب ، و أطلب لي وجبة خفيفة ، ثم أتظاهر بالضجر و أنا أنتظرها ، و ما إن تصل إلي الوجبة حتى أتظاهر بأنني آكلها و أستمتع بطعمها ، و إن كنت في حقيقة الأمر لا أذوق أي شيء ، كل شيء بالنسبة لي فراغ  و عدم . و حين يروق لي أن أتظاهر بالشبع ، أقوم مغادراً المطعم بعد أن أدفع الحساب ، و أنا أرجوك ألا تسألني من أين آتي بالمال ، لأن هذا الأمر ليس من شأنك ، و لن تفهمني حتى إذا أجبتك ، فللأموات شأنهم الخاص . أسير في الشارع ، أسير مترنحاً من التعب المزيف ، فتقابلني جماعة من اللصوص المضحكين ، يحملون خناجر و يحيطونني بشراسة بلهاء ، لا يدركون أنني ميت ، و ليس هنالك ما أخسره ، و بحكم خبرتي ، كنت أعلم أن علي التظاهر بالخوف في موقف كهذا ، و لكنني نسيت ، نسيت كيف يتصرف الإنسان حين يخاف ، هل علي أن أضحك ؟ هل يجب أن أبتسم أم أعبس ؟ كيف يعبر الحي عن خوفه ؟ تختلط علي المشاعر في بعض الأحيان ، حتى و إن كنت متقناً لدوري معظم الوقت ، و لأنني نسيت كيف أمثل الخوف ؛ قررت أن أمثل الشجاعة ، فصحت في اللصوص بتحدٍ : " أيها الجرذان الصعاليك ! أنا لست خائفاً منكم مطلقاً ! فأنتم تبدون لي كالحشرات الصغيرة ! القمامة ! أنتم جماعة كلاب " ، و أسبهم و أشتمهم ثم أشمر عن ساعدي متظاهراً بالرغبة في المواجهة ، و ما يكون منهم إلا أن يغضبوا و يندفعوا نحوي كالثيران ، ثم يغرسوا أسلحتهم في أماكن متفرقة من جسدي ، و يغادروا بعد أن يظنوا أنهم قتلوني . و سأنهض بعد أن يرحلوا بعيداً عني ، سأقوم من فوري و أجول في الطرقات المظلمة ، و أطلق الضحكات العالية ، متظاهراً بالسرور ، يتعين علي دائماً تخمين الشعور المناسب الذي يليق بكل لحظة ، و أنا ممثل محترف بما تعنيه هذه الكلمة ، و قد يقابلني هؤلاء اللصوص مجدداً داخل هذه الدنيا الضيقة ، سيفقدون عقولهم حين يرونني واقفاً و أبدو على قيد الحياة ، و إن تبقى لهم بعض العقل سيعلمون بحكمه أنني زومبي ، و أنا لا أريدهم أن يعلموا ، لأنني إن أردت لأحد أن يكتشف حقيقتي لما تظاهرت بالحياة ، و لما كلفت نفسي عناء التمثيل ، و لهذا فسأفضل أن أتحاشى أؤلئك اللصوص تماماً إذا صادفتهم في طريقي.و أدور في الشوارع بلا هدف ، يبدو الأمر كما لو كنت أبحث عن شيء ينقصني ، و لكني حقيقة لا أبحث عن شيء ، أنا لا أبحث عن الحب ، و لا أبحث عن الإحساس ، و لا أبحث عن اللهفة ، و لا أبحث عن الرغبة في الحياة ، لكنني أتظاهر بمهارة أنني أبحث عن كل تلك الأشياء ، أنا أتظاهر بأنني متعطش لها ، بالرغم من أنني لا أريدها و لا أتوق إليها ، و هل يتوق الميت إلى شيء؟، يا أيام حياتي الغالية ! يا تلك الأيام التي كنت أعرف فيها كيف أحب و كيف أكره ، و كيف أفرح أو أحزن ! لن أقول إنني أحن إليك ، لأن الحنين إحساس ، و لكني فارغ ، و أؤدي أدواراً فارغة لا تنتمي إلى حقيقتي بصلة ، ألن تتاح لي الفرصة كي أعود لأعيش كما يعيش الآدميون ؟ أيان تنقضي هذه المسرحية ؟  و إلى متى سنظل محرومين من ضوء الشمس ؟


زومبي- مدونة وضاحة

تعليقات

المشاركات الشائعة