قسم الذبابة

  على أفرع شجرة سميكة و قصيرة الطول ، نسجت العنكبوت شبكتها ببراعة و دقة ، كانت شبكة حريرية متماسكة ذات شكل هندسي رائع ، و قد اتخذت العنكبوت مخبئاً تحت كومة من الأوراق على غصن الشجرة ، و ارتقبت قدوم أي فريسة و وقوعها في الفخ يدوي الصنع ، ظلت العنكبوت تنتظر لوقت طويل حتى شعرت بالنعاس و غفت إثر ذلك ، فلما استيقظت من غفوتها سمعت أصوات طنين و استغاثة آتية من حيث نسجت شبكتها ، ففرحت لذلك و تهلل وجهها ، ثم انطلقت بسرعة إلى أن وصلت لحافة الغصن الذي نسجت فيه مقدمة الفخ ، و حدقت من مكانها فرأت ثلاث حشرات قد علقت في فخها ، كانت النملة عالقة بالقرب من حافة مقدمة الفخ ، و كانت النحلة مقيدة في منتصف الشبكة ، أما الذبابة فقد كانت مثبتة في أسفل الشباك ، و لم تتوقف لحظة عن الطنين . اقتربت العنكبوت بلهفة من خيوطها و سارت عليها و هي تحدث نفسها : " ثلاث وجبات في يوم واحد ؟ يا له من صيد وفير ! " . وصلت العنكبوت إلى حيث علقت النملة ، و حين أعدت أطرافها لتلتهمها قالت النملة بخوف : " أرجوكِ أيتها العنكبوت ، استمعي إلى كلامي قبل أن تأكليني " . توقفت العنكبوت و خاطبت النملة سائلة : " و ما الذي تريدين قوله أيتها النملة ؟ " . ردت النملة مباشرة بلهفة : " إن أطلقتي سراحي أيتها العنكبوت و عفوتي عن حياتي ؛ فأعدك بأنني سأسدي إليك خدمة جليلة " قالت العنكبوت باستهزاء من حديث النملة : " حقاً ؟ و ماذا قد تكون تلك الخدمة ؟ " أجابت النملة العنكبوت قائلة : " أنا مهندسة بارعة ، و إن تركتني أذهب فسأصنع لك مظلة جميلة بأفرع الأوراق ، و في مدة قصيرة ، ما رايك ؟ هل أنت موافقة ؟ " فكرت العنكبوت للحظات ثم قالت : " مظلة ؟ لطالما رغبت في الحصول على واحدة ، و لكن ما الذي يجعلني أثق بك أيتها النملة؟ ماذا إن خدعتني و ركضتِ بعيداً ؟ " أجابتها النملة الصغيرة بنبرة صادقة :" عيب عليك أيتها العنكبوت ، لو كان النمل مراوغاً و خائناً لما تمكن من بناء مستعمراته العملاقة و تشييد ممالكه المترامية ، و أنا أقسم لك الآن قسم النملة بالله العظيم أنني لن أغدر بك و لن أخون ما اتفقنا عليه " ، فكرت العنكبوت في كلام النملة ، ثم قالت لها : " قد صدقتك أيتها النملة ، و ستقومين بصنع تلك المظلة أمامي على هذا الغصن القريب ، و لكن إن حاولتي اللعب أو الهرب يميناً أو يساراً فسأكبلك و ألتهمك ، أتفهمين ؟ " ، صاحت النملة بحماس و هي لا تصدق أنها نجت من الموت : " اطمئني يا عزيزتي ، لا هرب و لا مراوغة ، أنتِ تتعاملين مع النملة " ، اقتربت العنكبوت من النملة و أطلقت سراحها ، فاتجهت الأخرى مباشرة للغصن العلوي ، و صنعت من الأوراق و الأفرع التي جمعتها مظلة مريحة و جميلة ، ثم غادرت المكان تاركة العنكبوت تتأمل المظلة و هي سعيدة بهذه الصفقة ، و لكن ذلك لم يعالج مشكلة الجوع الذي تشعر به العنكبوت ، فسارت على شبكتها متجهة إلى فريستها التالية . 

    كانت النحلة مرتكزة بأجنحتها في قلب الشبكة ، دنت منها العنكبوت و هي تعد نفسها لوجبة لذيذة ، فلما همت بالتهامها قالت النحلة برجاء : " اتركيني أعش أيتها العنكبوت ، و أنا أعدك بعسل لذيذ آتيك به بعد دقائق ، أنا واثقة بأنك ستحبين طعمه كثيراً ، إنه ألذ مني أيتها العنكبوت " ، سخرت العنكبوت من النحلة قائلة : " عزيزتي النحلة ، و ماذا أفعل أنا بالعسل ؟ إنني أتغذى على الحشرات الدسمة و المالحة " ، فكرت النحلة لبرهة ثم قالت : " أنتِ لا تحتاجين إلى العسل ، هذا صحيح ، و لكن مظلتك التي صنعتها لك النملة لن تصمد أمام الرياح ، فإن أطلقتي سراحي سأذهب و أحضر بعض العسل لأثبتها لك " ، اقتنعت العنكبوت بما قالته النحلة و لكنها خافت أن تغدر بها ، فخاطبتها : " عديني أنك لن تخونيني إن فككت أسرك " ، قالت لها النحلة : " أنا أعدك وعد النحلة الصادقة و أقسم لك بالله العظيم أنني سآتيك بوعاء من العسل الطيب ، و سأثبت لك مظلتك إن تركتني أيتها العنكبوت " ، دنت العنكبوت من النحلة و أطلقت سراحها ، فطارت النحلة بعيداً ، انتظرت العنكبوت عودة النحلة ، و خافت من أن تغدر بها ، و لكن بعد بضع دقائق عادت النحلة بالفعل و هي تحمل بتلة صغيرة مليئة بالعسل الطيب ، فحطت على الغصن و ثبتت المظلة الورقية بالمادة اللزجة ، ثم غادرت بعد أن نفذت وعدها ، راقبتها العنكبوت مسرورة من صدقها ، ثم مشت حتى وصلت إلى الذبابة العالقة أسفل الشبكة ، قالت العنكبوت للذبابة : " أنتِ آخر فريسة تبقت لدي ، و يجب أن ألتهمك لأقضي على الجوع " ، حينها قالت الذبابة بسرعة : " رجاء لا تلتهميني ، إنني لست صالحة للأكل ، مذاقي رديء للغاية " ، توقفت العنكبوت عن التقدم تجاه الذبابة ، فأردفت الأخيرة قائلة : " لدي عرض مغرِ لك ، إن تركتني أذهب فسأحضر لك وجبة ألذ و أكبر مني ، إن لدي صديقة أعرفها منذ زمن بعيد ، و هي ذبابة سمينة و طعمها سيعجبك بكل تأكيد ، و إن تركتني و شأني فسأحتال عليها و أجلبها لك لتأكليها عوضاً عني ، هل أنتِ موافقة " ، قالت العنكبوت : " و ما الضمان أيتها الذبابة؟" ، قالت الذبابة للعنكبوت : " إنني أقسم لك قسم الذبابة الأمينة بالله العظيم ، لن أخونك أبداً و سآتيك بما وعدتك به إن حررتني " ، ضحكت العنكبوت ضحكة العناكب الهازئة و قالت بسخرية : " أي قسم و اي أمانة ؟ إن كنت قادرة على التفكير في خداع صديقتك التي هي ذبابة مثلك ، و استدراجها إلى فخ العنكبوت ، فما الذي يجعلني أثق بك أيتها الذبابة الدنيئة ؟ بل سألتهمك لأن أمثالك لا يستحقون الحياة "و انقضت العنكبوت على الذبابة و فتكت بها شر فتكة


قصص لبدة الأسد - مدونة وضاحة 

تعليقات

المشاركات الشائعة