بريد قديم
ما بك يا صديقتي ؟ .. ماذا أصابك لتتغيري علي هكذا ؟ .. لماذا لم تعودي تحبينني كالسابق ؟ .. لماذا تبدد كل حبك ليحل الكره محله .. لماذا غفا الاهتمام لينوبه التجاهل و التلافي ؟ .. هذا أنا يا صديقتي .. إنه أنا و ليس بأحد غيري .. أيعقل أن النسيان أصاب ذاكرة قلبك ؟ .. إنني الطفل الذي كنت تهدهدينه و ترضعينه .. و كنت أناديك ماما .. إنني الشاب الذي كنت تأخذينه في رحلات جميلة و تفرجينه على روعة الكون ، إنني عشيقك يا سيدتي .. عشيقك الذي اعتاد عليك و أحبك .. فما بالك قد تغيرتي الآن عليه ؟.. لقد سلبتني جسدي القوي و منحتني جسداً هزيلاً و مجعداً .. فتراني الأعين أسير و كأنني كيس عظام لا روح فيه .. إنك امتصصت لون شعري الأسود و تركتني و قد لحقني الجفاف ، مع قش أبيض خشن معلق على رأسي .. لقد سلبتني كل شيء يا صديقتي .. لقد سلبتني أمي و أبي .. لقد قتلت أمي و أبي يا صديقتي .. و قتلت أصدقائي الذين عاشروني و كبروا معي .. الآن أنا أراهم يسقطون واحداً تلو الآخر .. و لا أراهم ينهضون إبان هذا السقوط .. و كل هذا بسببك أنت .. لقد كرهتني يا صديقتي .. لقد كرهتني و مللت مني .. و ليتك اكتفيتي بكل ذلك يا صديقتي القاسية .. إنك لم تكتفي بسلبي قوتي و أحبائي .. بل أخذتني من عالمي إلى عالم لا أعرفه .. لقد نقلتني إلى زمان لا أعلم كيف أعيش فيه .. فبت أشعر أني كالفضائي في هذا الزمان .. وسائل نقل غريبة و أطفال غرباء .. و عادات و تقاليد أشد غرابة .. و ما انتبهت إلا متأخراً بأنني أنا الوحيد الذي تجتاحه الغربة .. أنا الغريب في هذا الزمان .. أنا الغريب الذي لا ينتمي لأي شيء هنا .. مكاني هو في الماضي .. الذي أصبحت جزءاً منه .. أراك قد استبدلتني يا صديقتي .. بعد كل الحب الذي كنت أهبه لك .. لقد استبدلتني و استبدلتي زماني .. لقد أتيت بجيل آخر لا يشبه جيلي .. كم أنت سريعة الملل يا صديقتي .. إنك لست الحبيبة الوفية التي كنت آملها .. و إن هذا لمؤسف حقاً ، لأنني ضحيت بالكثير لأجلك و لأجل الاستمتاع و الخوض في مغامرات معك ، كنت أتهاون في كل شيء ، كنت أتهاون في واجباتي و أركنها خلف شباك العنكبوت ، كنت أؤجل أحلامي لأجد الوقت الذي أمضيه معك ، لقد فعلت الكثير من الأشياء التي ضرتني يا صديقتي في سبيل حبنا ، و ها أنت ذا ترمينني و لا فردة حذاء قدمت و ذبلت موضتها بالنسبة لك .. و ليس علي إلا أن أدرك كم أنت حبيبة خائنة ، سريعة الملل و لا تدومين في علاقاتك ، و تضعين عشاقك المساكين على الهامش ، تنزلينهم من سابع سماء إلى سابع أرض ، و إن كانت هناك أرض ثامنة فإنك تدفنينهم فيها ، أواه من قسوتك و جحودك .. و أيم الله يا دنيا ما عادت بي حاجة إليك .. و إن رفضتني فإنني بالمثل أرفضك .. و هذا الجسد الذي يربطنا تركته لك .. خذيه و اجعلي ديدانك تلتهمه ، لأنني لا أريد ما يربطنا ببعضنا بعد الآن ، لقد أساء قلبي الاختيار عندما أحبك ، و قد أسأت الاختيار عندما أنصت إليه ..
مع تحياتي
عجوز شارف على الموت
تعليقات
إرسال تعليق