إنترنت بطيء


     أن تجد لك وظيفة في شركة مرموقة ليس بالأمر السهل، و خصوصاً عندما يكون أمامك صف طويل
من أشخاص يريدون أن يتوظفوا في نفس الشركة ، هذا تماماً ما مرت به الآنسة انفورميشن، و هي
تقف في مؤخرة صف طويل جداً، لقد اضطرت المسكينة أن تنتظر ساعات و ساعات مرهقة و طويلة؛ كي
يأتي دورها في المقابلة، و عندما وصلت أخيراً لمكتب التقديم، شعرت كأنها إنسان قديم تمكن من الوصول
للقمر بعد عناء!.. ألقت التحية على الموظف المسؤول، فرد عليها باقتضاب و قال :
اسمك الكامل..
قالت :
انفورميشن آل جوجل..
قال باستنقاص و عصبية :
أنت من جوجل إذاً؟.. و تتوقعين منا قبولك بهذا المؤهل الضعيف؟.. هل هذه نكتة؟
قالت انفورميشن :
صدقني أتيت من موقع موثوق!.. كما أنني أحمل معلومات واضحة و سهلة التصديق!
ضحك الموظف و قال :
أرجوك.. جميع المعلومات التي تأتي من جوجل ليست موثوقة.. يستطيع أي كان أن يصمم له صفحة و يكتب ما يريد..
لا تضيعي وقتي يا آنسة.. السيد برين لن يقبل بعملك هنا!
قالت مباشرة :
لكن بعض المعلومات صحيحة!..لا تستطيع أن تحكم على كل شيء بأنه غير صحيح!.. هذا ظلم!
تنهد و قال بتسليك :
حسناً حسناً.. لا تصدعي رأسي.. أدخلي ليراك الموظف العصبي رقم اثنين..
افترت قسمات وجهها عن ابتسامة انتصار، و دخلت للمكتب الثاني، قال لها الموظف الذي يجلس و يتصفح
البيانات :
سيرتك الذاتية لو سمحت !
بحثت في حقيبتها و أخرجت السيرة الذاتية لتقدمها له، حدق الموظف اثنان فيها عن كثب
ثم قال :
همم.. جيد.. و لكن لدي سؤال صغير لك.. كيف ولدتي يا آنسة؟.. هل كنت نتيجة أبحاث علمية؟.. إن كانت
الإجابة نعم فأخبريني بالدليل.. و إن كانت الإجابة لا فتفضلي بالمغادرة..
تنهدت انفورميشن بتعب و أخرجت أوراقاً من حقيبتها و قالت :
هذه هي إثباتات البحث العلمي و شهادة ميلادي..
أخذ منها الموظف الأوراق و طلب منها الدخول لمقابلة الموظف الثالث، و هكذا استمرت في التنقل بين المكاتب
و الموظفين في طريقها لمكتب المقابلة الرئيسي، كانت مجهدة تماماً من كل هذه الأسئلة التي يطرحونها لها
، حتى أنها فكرت في الاستسلام أكثر من مرة، و لكن سرعان ما كانت تتراجع عن قرارها فهي لن تستسلم
حتى تقابل السيد برين و تحصل منه على موافقة لتوظيفها في هذه الشركة، شركات التفكير الناقد من
المستحيل أن تقبل الموظفين بسهولة، إلا بعد أن يمروا بكل المراحل و يثبتوا كفائتهم، و هذا ما يجعل
لهذا النوع من الشركات مكانة مرموقة في المجتمع، رغم أن البعض يسمونها بالانترنت البطيء، و لكن
انفورميشن كانت تتمنى دائماً أن تعمل في شركة كهذه، كان هذا حلمها منذ تخرجت من الجامعة،
و بعد وقت و جهد مبذول،
لم يتبق أمامها سوى مكتب واحد، !.. أحست بأن كل تعبها انقشع.. شعرت بالأدرينالين
يتدفق، و ركضت بسرعة تجاه المكتب ولكنها.. فوجئت بهم يغلقونه!
صاحت بانفعال للموظف الذي يحمل المفاتيح :
أرجوكم!.. لا تغلقوا الآن!. رجاءً!
نظر لها الموظف باستغراب ثم قال :
من حضرتك يا آنسة؟
قالت و هي تحاول استرداد أنفاسها :
انفورميشن!.. أنا انفورميشن!.. أتيت لإجراء مقابلة عمل!
قال لها الموظف :
أنا آسف.. لقد تأخر الوقت الآن.. تعالي غداً..
صاحت بغضب :
أنا أتنقل كالحمقاء في شركتكم منذ ساعات!.. أرجوك اعطني فرصة لأقابل السيد برين!
أحنى رأسه و قال معتذراً :
للأسف.. الأمر ليس بيدي.. إن الجسم الآن بأكمله يستعد للنوم.. لا يمكننا إبقاء شركتنا مفتوحة..
سيؤثر هذا سلباً على عمل الدماغ..
قالت له بترجي :
و لا دقيقة واحدة فقط؟
قال متأسفاً :
وقت النوم هو وقت النوم.. و لا يمكننا التضحية به..
ابتسمت و أخرجت لوح شوكولاتة من حقيبتها و قالت بخبث :
هل سيجعلك هذا تشعر ببعض النشاط؟
التقف منها لوح الشوكولاتة بسرعة و قال و قد تغير موقفه تماماً :
عليك أن تسرعي..
ركضت بأقصى سرعة لها و هي تعبر الممرات و تتجاوز الحواجز، حتى وصلت أخيراً لغرفة ضخمة،
باردة و حديدية.. كتب عليها بالضوء الأحمر : تحذير..  مركز التحكم الرئيسي..
أحست ببعض التوتر و نسيت طرق الباب لهول الموقف، دخلت بهدوء لترى العجب في الداخل!
كانت هناك شاشات عملاقة و خمسة فتيات جالسات على كراسٍ و يبدو عليهن الإنشغال،
انتبهت لخطواتها إحداهن و كانت ذات آذان كبيرة!..  فقالت بصوت عالٍ :
من هنا يا فتيات؟!.. إنني أسمع أصواتاً غريبة و لكن لا أستطيع الرؤية كما يجب !.. أخبريني ما هذا يا حاسة البصر؟
قالت  إحدى الفتيات بصراخ و كانت تلبس نظارات :
ماذا قلت يا حاسة السمع؟.. لا أستطيع سماعك جيداً.. لكني أرى أمامي فتاة!.. لا أعلم كيف دخلت لهنا!
كانت انفورميشن تشعر بتوتر و لا تعلم ما يجري حولها، حتى اقتربت منها فتاة كفيفة تقود جرواً
  و قالت له :
هيا يا بوبي.. قم بشم هذا الجسم.. و أخبرنا بهويته..
ضحكت ذات النظارات و صاحت :
ما الذي أراه يا حاسة الشم؟.. ألم نخبرك مليون مرة بأن الأفكار لا يمكن شمها!.. تعالي و اجلسي أمام الشاشة
بجانب حاسة اللمس!
كانت الفتيات يتناقشن بصوت عال و حاد حتى طفح الكيل بإنفورميشن و صاحت بنفاد صبر :
توقفن أرجوكن!!.. يكفيي!!
صمتن جميعهن عند سماع صوتها، و خصوصاً صاحبة الآذان الكبيرة التي همست بتعجب :
هذا مرتفع جداً..
قالت انفورميشن بصوت عال و غضب أطلقت سراحه :
أريد مقابلة السيد برين!!.. ألا تفهمون؟!.. أريد الحصول على وظيفة في هذا الدماغ!!.. لقد تعبت!!
تعبت من كل هذه الإجراءات و التمديد!!.. لو أنني بقيت في الشركة الغبية التي أتيت منها!.. كان يسمحون
لكل المعلومات بالدخول بدون تحقيق أو إجراءات!.. لكن تباً!.. لماذا يحدث هذا معي!!..
أريد رؤية السيد برين الآن!!
صمتت و هي تستعيد أنفاسها و تحاول أن تهدأ، حتى سمعت ذلك الصوت الوقور وراءها يقول :
هل نادى أحد اسمي؟
تنظم الجميع في أماكنهم مباشرة و عادت جميع الفتيات للعمل بانتظام، التفتت انفورميشن خلفها
و فوجئت برؤية ذلك الشخص الوقور الهيئة و الذي يحمل كتاباً في يده، همست بتمني :
أنت.. السيد برين.. صحيح؟
قال بابتسامة هادئة :
نعم.. هل من خدمة؟
أخذت أنفاسها و قالت بدموع :
الحمد لله!.. الحمد لله!.. أخيراً وجدتك سيد برين!.. كنت أود مقابلتك منذ ساعات!
صمت قليلاً ثم خاطبها بوقار :
من تكونين؟
عدلت هيئتها و قالت و هي تنظر له بثقة :
سيدي.. أنا المعلومة التي تقول بأن الأرض ليست مسطحة!.. هل يمكنني الدخول!؟


وضاحة عبد الرحمن 




تعليقات

المشاركات الشائعة