صاحب الفانوس

 

   في طرقات الليل المظلم ، ثمة شخص ما يتجول و برفقته فانوس مضيء، ملامحه مختفية وراء عباءته
الطويلة الواسعة، لا يُرى منه سوى بعض النور الساطع..
الجميع كانوا داخل بيوتهم نياماً أو مشغولين بأمور ما، و لم يكن هناك أحد سواه يسير
في الطرقات، كان هذا الشخص غريباً عن هذه القرية،  فتوجه لأحد البيوت و طرق على الباب،
فتح له رجل  بدا  عليه الترف و قال و هو يفرك عينيه :
نعم.. من أنت يا هذا ؟.. و ماذا تريد؟
أجابه صاحب الفانوس بدون أن يكشف عن وجهه :
السلام عليكم.. أنا مسافر و عابر سبيل.. هل أجد عندك مكاناً أقيم فيه الليلة؟
حدق فيه الرجل باستنكار و قال له :
آسف.. ليس هذا فندقاً..
أغلق الرجل الباب بوقاحة، فتحرك صاحب الفانوس مبتعداً و توجه لمنزل آخر، طرق الباب ففتح له
هذه المرة طفل صغير،  حياه و سأله قائلاً :
أين أهلك يا صغير.. هل هم موجودون في المنزل؟
قال له الطفل ببراءة :
أجل هم موجودون.. تفضل بالدخول.. و لكن لماذا تغطي وجهك يا عم؟
أجابه صاحب الفانوس بغموض  :
لا عليك.. ليس شيئاً بتلك الأهمية..
أدخله الطفل إلى غرفة الضيوف، و قال له :
سأستدعي والدي و أعود..
تأخر الطفل و عاد بعد دقائق و على وجهه علامات الخيبة، و قال للضيف بصراحته الطفولية :
أمي و أبي يشاهدان مسلسلاً  الآن .. قالا أنهما سيحضران لاستقبالك بعد قليل..
أومأ الضيف برأسه و لم يقل شيئاً، مرت فترة زمنية و لم يحضر أحد، فنهض صاحب الفانوس
من مكانه و قدم للطفل كيساً من الفاكهة، ثم غادر هذا  المنزل، متوجهاً لمنزل آخر. طرق
الباب ففتح له رجل مسن منحني الظهر و أبيض الشعر، تبدو عليه الطيبة و البشاشة، قال
له صاحب الفانوس :
السلام عليكم.. أنا مسافر و عابر سبيل.. هل أجد عندك مكاناً أقيم فيه الليلة؟
ابتسم المسن و رد عليه :
بالتأكيد.. تفضل تفضل..
دخل الضيف مع الرجل المسن، الذي أجلسه و أكرمه إكراماً شديداً، و طلب من ابنته أن تعد له
سفرة مليئة بالطعام، لم يأكل الضيف شيئاً، و لكنه أعجب بكرم هذا الرجل و ابنته، فقال له :
أتعلم يا عمي بأني طرقت على الكثير من الناس، و قليل قلة قاموا باستقبالي مثلك.. لم أجد
من يمتلك مثل كرمك و برك.. لهذا قررت مكافأتك..
قال العجوز بطيبة :
لا داعي لهذا يا بني، لقد قمت بالواجب فقط..
ناوله الضيف الفانوس الذي كان بحوزته و قال :
احتفظ به.. سيضيء لك دربك.. و في كل مرة تهزه فيها سيعطيك الكنوز الثمينة..
اختفى صاحب الفانوس فجأة بعد هذه الكلمات الغريبة، تاركاً فانوساً مضيئاً و دهشة
للرجل العجوز، دخلت ابنته و جذب الفانوس اهتمامها، فحملته و قامت بهزه،
فتساقطت المجوهرات الغالية و الثمينة فجأة!
كان هذا أشبه بالسحر الذي لم يتمكنا من تصديقه، لكنه كان حقيقياً..
تغيرت حياة هذا الرجل المسن و ابنته تماماً، بعد أن أحسنا استقبال ضيف واحد ..
لكنه في الحقيقة لم يكن أي ضيف..
هذا الضيف الغامض يأتي كل سنة.. و يطرق الأبواب على الناس.. يتجاهل من يتجاهله..
و يكافؤ كل من يحسن استقباله.. إنه هدية إلهية حقيقية.. و لكن البعض مع الأسف
لا يعرف قيمته، ينشغلون عنه بالمسلسلات و التفاهات، و هم لا يعلمون أنهم هم من
سيخسرون بهذا هدية عظيمة لا تفوت.. إن هذا الضيف هو شهر رمضان المبارك ، 

و هداياه هي الرحمة و المغفرة و الأجر العظيم . 



رمضان كريم 2022 .       



 




تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة