حفلة عيد ميلاد
إنها غرفة مظلمة،يسكنها هدوء موحش.. عدا أصواتٍ متقطعة، لأنفاسٍ تعلو تارةً.. و تنخفض تارةً أخرى..
يمكن لضوء القمر المتسلل من النافذة؛ أن يخلق ظلالاً على أحد حيطان الغرفة المهترئة..
إنه ظل ليد تمتد نحو شيء ما.. ببطء.. وروية..
و تشغل الإضاءة!
تبين أن هذا خالد!.. و قد قرر النهوض لتناول شيء ما بعد أن فتك الجوع بأحشائه..
يقوم متهالكاً من التعب و النعاس.. و يسير بخطوات يائسة خارج الغرفة..
المنزل بأسره مظلم.. إنه يشغل إضاءة هاتفه ليستدل دربه عبر الدرج..
و يمشي بمهل و هدوء.. قبل أن يحس بشيء ما.. يسحب سترته من الخلف..
يذعر و يلتفت!
:" ي.. يبدو أني أتوهم"
يتمتم و يكمل طريقه نحو الطابق السفلي ..سائراً بمهل و هو يرتجف..
ليس خالد من مهووسي التجول في منزل كبير عند منتصف الليل..
يتوقف فجأة على رنة إشعار هاتفه..
فيفتحه ليجد رسالة ماسنجر من رقم غريب.. و ماإن يستخدم أنامله ليفتح الرسالة؛ حتى
يرتاب من فحواها :
" مرحباً.. هل تحتفل معي؟.. يقال أن الأشخاص الذين يحتفلون لوحدهم
هم الأتعس على إطلاق! "
" ما هذا بحق؟.. من يكون هذا الشخص"
يهمس لنفسه بسخرية، لا يهم من يكون فهو سيتجاهله في كل الأحوال
، هو بلا ريب أحد الحمقى عديمي المشغلة..
يسير مكملاً طريقه نحو المطبخ، و ما إن يمر بالصالة حتى يفاجأ بالفوضى
التي تعمها.. شرائط زينة و بالونات.. و آثار كريمة متفشية في كل الأنحاء
على الكنبة و الجدران.. تخطفه الصدمة من هول ما يرى!
" و.. لكن.. لا أذكر أني إحتفلت هنا!!"
يأخذ نفساً عميقاً محاولاً تهدئة أعصابه :
"ههه.. رويدك يا خالد!.. ربما يكون شقيقك محمد قد عاد و أقام حفلة هنا و أنت نائم..
أو.. لعلك شربت كثيراً فنسيت أنك احتفلت"
يعود إليه رشده و هو يقنع نفسه بهذه التحليلات..
يصل إلى المطبخ أخيراً و يفتح الثلاجة.. لكنه يجدها خاوية تماماً!
" تباً!!.. لا شك أنه محمد!!.. ألا يكفي الحفلة التي أقامها! "
يرن جرس الباب فجأة فينتبه خالد مما كان يفكر فيه،
يا تراه من يكون الذي يأتي في هذا الوقت المتأخر؟
خالد يسير خارجاً في تأفف في حين يزداد رنين الجرس إزعاجاً
: من بالباب؟
لا يأتيه رد، فيفتحه إثر الفضول الذي ينتابه..
و لكنه لا يجد أحداً..
" أهذه أحد مقالب الأولاد في رأس السنة؟"
يتراجع منزعجاً و ما إن يهم بالصعود إلى غرفته..
حتى يعود الجرس مجدداً إلى الرنين..
" من هذا المزعج؟.. أقسم أنني سألقنه درساً!"
يركض بإتجاه الباب و يفتحه بعصبية..
و لكنه لا يجد أحداً أيضاً!
و قبل أن يأخذ أي ردة فعل.. يساوره إحساس بشيء
يشده من الأسفل.. فيحني رأسه ليراها واقفة
تبتسم إبتسامة عريضة.. إنها طفلة صغيرة شاحبة اللون..
و ترتدي فستاناً وردياً..
تنتابه رهبة لا يدري سبباً لها.. و لكنه يحاول إستعادة هدوءه..
و يكلمها قائلاً :
" ماذا تريدين يا صغيرتي؟"
تفتح شدقيها فيخرج صوتها بارداً ممتزجاً مع نبرة طفولية :
" مرحباً.. هل تحتفل معي؟.. يقال أن الأشخاص الذين يحتفلون وحدهم
هم الأتعس على الإطلاق"
لا يشعر بنفسه إلا و هو يغلق الباب في رعب و أوصاله ترتجف
" م.. ما كان هذا؟.. ليس لديها أسنان! "
و قبل أن يستعيد وعيه ، يسمع ترنيمة لأنشودة العنكبوت
تعانقها ضحكات طفولية..
يبتلع ريقه و يمشي بإرتجاف و خوف قاصداً غرفته
في الطابق العلوي..
و يأخذه الذهول مما يراه في الصالة!
لا أثر لكل تلك الفوضى.. أين إختفت الزينة و مخلفات الحفلة..
كل شيء نظيف للغاية.. و التلفاز مشغل على أغنية العنكبوت..
تصدر الضحكات الطفولية ذاتها متناغمة مع الألحان..
و يبدو أن مصدر هذه الضحكات قريبٌ جداً
في حين يقف خالد و قد سرقت الصدمة منه كل شيء..
ترفع رأسها و تطل من على الأريكة بإبتسامتها العريضة..
" مرحباً.. هل تحتفل معي؟.. يقال أن الأشخاص الذين يحتفلون وحدهم
هم الأتعس على الإطلاق"
يطلق صرخة مكتومة فينهض من نومه مذعوراً!.. تباً لقد كان كابوساً..
إنها غرفة مظلمة ، يسكنها هدوء موحش، عدا أصوات متقطعة لأنفاس تعلو.. و تتباطأ..
لم تكن أنفاس خالد هذه المرة..
تمتد يده في إرتجاف لتشغيل المصباح..
يجدها إلى جواره تماماً.. تحمل سكينة حادة و تبتسم ...
تخرج كلماتها لزجة و هي تهمس :
" مرحباً.. هل نبدأ بتقطيع الكعكة؟"
.
.. 💀
تأليف :وضاحة عبد الرحمن
رائع
ردحذف💙شكراً
حذف