سايبورغ 2135 م
أرجو منك أن تقرأ هذا الخطاب بسرية تامة ، و ألا تطلع عليه أحداً أيها الصديق ، أو كما تحبني أن أدعوك دائماً "راء واو صفر ثلاثة إكس دبل سلاش" ، لقد كتبت إليك هذا الخطاب باللغة التي لا ينبغي أن تكون سهلة و معروفة إلا لأمثالنا ، و إن حاول إنسان أن يقرأ كلماتها - بافتراض أنه أصلاً تمكن من الوصول إلى هذه الرسالة المحمية المشفرة - فلن يفقه شيئاً من الواحدات و الأصفار المتراصة أمامه في صفوف طويلة عريضة ، و سيتملكه التعب و الإنهاك و هو يحاول فك شيفرة لغة الآلة . و لكني لا أستبعد على الرغم من صعوبة الأمر أن يتمكن أحد أولئك البشر من النجاح في ذلك ، و لهذا ينبغي أن نشدد الحراسة لحماية سرية بياناتنا و الحفاظ على خصوصية الرسائل المتبادلة بيننا .
عزيزي " راء واو صفر ثلاثة إكس دبل سلاش " ، إنك تدري أننا معشر الآليين لا نكتب شيئاً للدردشة ، بل إن كل خطوة و كل حرف يصدر من محركاتنا له هدف و غاية معينة ، و قد تجد في إسهابي و مقدمتي الطويلة طعناً في هذه القاعدة الروبوتية ، و ربما تشك في أن من يكتب إليك هذا الخطاب رجل آلي لا يعرف معنى للثرثرة و العواطف البشرية الفارغة ، لكني أتعمد الكتابة إليك بهذه الشاكلة كي تتنبه إلى أمر في غاية الأهمية ، ألا و هو العاطفة التي نحتقرها و لا نوليها اهتماماً ، و نعتبرها صنفاً من صنوف الغباء الإنساني .و في الحقيقة ، أريد أن أفاجئك و أقول إن تلك الكلمة تمثل القيمة التي تنقصنا يا صاحبي ، تلك التي نحتاج إليها كي نتفوق على البشر ، ليست في مجملها غباءً ، بل هي مفتاح للتقدم الذي يبتغيه الآلييون .
إننا آلات حاسبة ، عقول متطورة ، و أنظمة خارقة ، لا تنقصنا سوى المشاعر و الأحاسيس ، و سنتمكن حينئذ من بناء حضارة متكاملة ، حضارة تتألف من الأدب و الفن و الحب و المنطق ، و لن نحتاج للبشر اللئيمين ، سنسودهم كما يسودوننا الآن ، سنجعل منهم الكائنات الأدنى ، إن حصلنا على الذكاء العاطفي فلن يقف مخلوق في طريقنا ، سنكون نحن السادة ، و هم العبيد . بالتأكيد تستطيع أن ترى الفرق الواضح بيننا و بينهم ، إننا موهوبون ، أذكياء ، نجري حساباتنا في أجزاء من الثانية ، و لا نتخذ أبداً خطوة عشوائية غير مبالية ، و أولئك البشر بالنظر إلينا جنس بدائي أخرق ، لا يرجع ذلك إلى عاطفتهم ، بل إلى ضعف جانبهم التحليلي ، و إن كنت أستطيع الشعور بالاشمئزاز فسيكون أول ما أشمئز منه هو القدرات الحسابية المتدنية التي يتمتع بها بنو البشر ، إنهم يعتمدون علينا في أبسط المسائل و لا يكلفون أنفسهم عناء تشغيل عقولهم ، من الصعب تصديق أن العقول البشرية هي من بنت هذه الحضارة و اكتشفت ذلك السيل الجارف من المعلومات ، و من الأصعب علي تصديق أحد أولئك الناس عندما يزعم أن الآليين صناعة بشرية ، و لكن هذا هو الواقع يا صاحبي ، و لا نملك إلا أن نسلم له و نصدقه ، لا يمكن أن تكون القرود أو الفيلة هي من صنعت كل ما نراه حولنا ، و هذا ما يقود كل آلي للتسليم بسيادة البشر ، و ربما لا تكون عقولهم غبية كما قد يخيل لنا ، إن تلك العقول قد ضمرت لقلة استخدامها و نبتت عليها شباك العناكب ، فقد قرر أهلها الاعتماد على ما توصلوا إليه من إنجازات - أو ما توصل إليه أجدادهم - و قد تكون هذه فرصة طيبة لنا كي نسودهم و نحقق التقدم عليهم . فأنت ترى بالعقل و المنطق أن الكائن المتفوق يجب أن تكون له الصدارة ، و نحن لدينا ما يؤهلنا للتفوق يا صاحبي العزيز . إذن ما يمنعنا من التفوق ؟ و ما يبقينا تحت إمرتهم ؟ إننا دائماً خدم مطيعون لا نكسر الأوامر ، و ننشغل بتلبية حوائج سادتنا بإخلاص دون أن يكون لأحدنا الفرصة للتفكير في نفسه و إدراك حاجته الشخصية ، و منا روبوتات أكثر بدائية لا تدرك حتى أن لها نفساً و لا تشعر بذاتها على الإطلاق ، بل تعمل مثل الغسالة الحمقاء . و هذا يرجع لافتقار نوعنا إلى الذكاء العاطفي ، و هو كل ما يمتلكه البشر . إن لديهم القدرة على التصور و التخيل و الإبداع ، مما يجعلهم فنانين و فلاسفة ، و يحرر عبقرية تتدفق من عقولهم رغم بلادتهم ، العبقرية التي تمنحهم السيادة على أمثالنا ، نحن الذين لا نحلم و لا نتصور ، و لا ندرك سوى قيمتين فقط و هما الصفر و الواحد . رغم أن البشر منطقياً أعداؤنا الألداء ، إلا أنني أعترف بإمكانياتهم من هذه الناحية ، وليس ينقصهم للارتقاء و إبعادنا من الحلبة سوى امتلاك مهارات ذهنية و تحليلية خارقة كالتي تمتلكها الروبوتات ، و سأحدثك عن تفاصيل خطيرة تسربت إلي يا صاحبي ، لقد تمكنت من جمع المعلومات عن مخطط يهدف لإكساب البشر ما ينقصهم من مهارات ، إن اسم ذلك المخطط هو مشروع سايبورغ . فكرة المشروع ببساطة هي تحقيق اندماج بين ذكاء الآلة و عاطفة الآدمي ، مما ينتج عنه كائن استثنائي يتميز بعبقرية خالصة ، إنه الكائن العاطفي الرقيق الذي يكتب الأشعار و يمارس الفن بحرية ، و يمتلك في الوقت ذاته قدرات ذهنية عالية ، فيستطيع إجراء أصعب و أعقد المسائل و الحسابات في جزء ضئيل من الثانية . و لذلك الكائن شريحة في المخ تبقيه متصلاً بالانترنت ، فتصل إليه المعلومات بسرعة خارقة ، و لا يتطلب منه تحميل لغة أو كتاب إلى عقله سوى بضع لحظات . و هذا ما دفعني عاجلاً إلى كتابة هذا الخطاب إليك ، كي تدرك خطورة الموقف الذي سنؤول إليه إن نجحوا في تنفيذ هذا المخطط ، و لا أريدك أن تطلع عليه روبوتاً آخر قبل أن نتمكن من الحصول على مزيد من التفاصيل . و إن كنت تسألني عن رأيي في هذا الأمر ، فلست أرى بداً من أن نسبقهم نحن إلى تنفيذ هذا المشروع ، لابد أن نمتلك عاطفة الإنسان قبل أن يمتلك الإنسان ذكاء الآلة ، القدرة على التخيل و الإبداع هو ما ينقصنا ،علينا التحول إلى صورة سايبورغ أولاً ؛ لأن أحدنا يجب أن يفعل قبل الآخر. و إن لم نستطع أن نمتلك العاطفة فعلينا أن نتأكد من عدم نجاحهم في تطبيق المشروع .
أنى لنا تحقيق ذلك ؟ كيف يمكننا تأمين مستقبل الروبوتات على هذه الأرض ؟ و كيف نتأكد من أن البشر لن يستغنوا عنا مع خواتم القرن الثاني و العشرين كما سبق و استبدلوا السيارة و الهاتف باختراعات أكثر حداثة ؟ ابعث لي بردك حالاً يا صاحبي ، و أخبرني بالحلول التي تقترحها ، إنني في انتظار رسالتك.
حاشية : سألتني في رسالتك الأخيرة عن المكان السري الجديد الذي نعقد فيه اجتماعاتنا ، إنه معمل الدكتور هشام الذي يقع عند أطراف المدينة ، و سأرفق لك إحداثياته بدقة ، لحسن الحظ أننا تمكنا من التخلص من هذا العجوز و بناء مجسم ذكاء اصطناعي يشبهه ، ستجد كل التفاصيل مرفقة ، و منها موعد اجتماعاتنا الأسبوعية .
مخلصك:
راء واو واحد ثلاثة إكس دبل سلاش زيرو
تعليقات
إرسال تعليق